الوصف
النجف- وتطور المدينة المقدسة – يجتمع في هذا الكتاب باحثون عالميون وعراقيون للحديث عن مدينة النجف. حديثنا هذا عن شخصيتها أو طابعها وأمزجتها وما تملكه من روح، حيث إنها أكثر من تجمع بسيط للأجزاء حيث يمتزج سكانها، أبنيتها، مؤسساتها، تنظيمها الجغرافي، وتأريخها ليشكلوا كياناً شاملاً أعظم من هذه الأجزاء. تتطلب شخصنة مدينة حذاقةً تشبيهية وخيالاً أدبيّاً وجدانيّاً جديراً بمدينة مثل النجف. إن النجفيين، بشكل عام، مروجون أشداء لإسهام مدينتهم في تأريخ الشرق الأوسط، وهم يشعرون بتجاهل لهذا الإسهام لمصلحة المركز الأكبر للعاصمة بغداد أو الأهمية الجيوستراتيجية المفترضة للبصرة. لا تدين النجف بأهميتها إلى موقعها الجغرافي أو تجارتها، بل إلى مكانتها في احتضانها ضريح الإمام عليّ والصناعة الدينية التي نمت حوله. ومن هنا لا يستغرب تركيز الأضواء في هذه المجموعة البحثية على الضريح والمؤسسات المرتبطة به. يضفي اللقب التشريفي للمدينة «النجف الأشرف» سمواً على المدينة في كونها الأكثر قداسةً بين مدن المقامات الشيعية.
احتل مرقد الإمام علي، الإمام الأول، مكانةً متقدمة في الذاكرة والشخصية الشيعية المتميزة؛ ولقد أعطى استشهاده والأهمية التأريخية المرتبطة بتلك الواقعة في الموروث الشيعي النجف سلسلة من المزايا في سعيها إلى القداسة، وهذا لا يعني عدم وجود مدن وأماكن منافسة للنجف. لم تستطع أضرحة الأئمة في «المدينة» الواقعة ضمن الهيمنة السنية أن تتجاوز كثيراً كونها مواقع للحج. كان للأضرحة الأخرى الواعدة في العراق وإيران بعض النجاحات في أوقات مختلفة، حيث تطورت كربلاء ومشهد على وجه الخصوص كمراكز للحج والتعليم. وشهدت النجف كذلك فترات مزدوجة من الحيوية والهدوء، ولكن، وبالرغم من تلك الفترات، فقد أعطى ثبات المكانة المركزية للنجف في التجربة الشيعية كل ما تصبو إليه والمكانة الحقيقية، في أحيان كثيرة، في الريادة الدينية.
تسعى الدراسات المعروضة في هذه المجموعة إلى طرح موضوع مفاده أهمية النجف. وفيما استهدفنا أن توفر هذه الدراسات منبراً لعرض الباحثين الحاليين في النجف، سعينا فوق ذلك بنشاط إلى زجّ الباحثين من مثقفي النجف إلى جانب سواهم من أماكن أخرى. انتفع الباحثون المشاركون من تقليدين تربويين مختلفين وعكست الأفكار الرئيسية والتركيز الضابط للدراسات المعروضة أولويات هذه المواضيع التربوية المختلفة.
إن من النادر أن يلتقي باحثون من هذه المشارب المختلفة ليعرضوا نتاجاتهم معاً في جزء من مشروع واحد. انصب جزء من اهتمامنا في ذلك على تقديم الباحثين العراقيين ونتاجاتهم إلى غير المطلعين عليها، وجلب الباحثين الأجانب المختصين في النجف إلى الفضاء المعرفي النجفي. لم تكن التحديات في هذا المسار أكاديمية فحسب، بل كانت مؤسساتية، تنظيمية، وإدارية. استلزم مشروع إقامة مجموعة دراسات بحثية نقدية حول مدينة النجف الشرح وقدراً من الانضباط. تتطلب كتابة سلسلة دراسات نقدية جهداً بالغاً من القائمين بها مقارنةً بكتاب في المديح والإطراء.