الوصف
العقل- سيرتك الذاتية – نظراً لأن علم الدماغ هو من المجالات الواسعة والمتشعبة التي تشهد نمواً سريعاً ونشاطاً متواصلاً في التحديث والتطور وذو صلة وثيق بالتطور والأداء البشري، فنادراً ما نستوقف أنفسنا لفترة قصيرة لإلقاء نظرة فاحصة أو لمراجعة حساباتنا، وفهم ما تعنيه النتائج التي تقدمها الدراسات في ما يتعلق بهذا المجال المهم وما مدى تأثيرها على حياتنا، لمناقشة الأمور بطريقة مبسطة لإدراك ما يعنيه أن تكون مخلوقاً بيولوجياً من دم ولحم. هذا الكتاب يهدف إلى القيام بهذه المهمة بالذات.
إن القدرة الحسابية المهولة التي نمتلكها داخل رؤوسنا هي ماكنة الإدراك الحسي التي تؤهلنا للبقاء على قيد الحياة والوجود في هذا العالم، هي المصدر الأساسي الذي تنشأ منه القرارات، والمادة الخام التي تصاغ منها المخيلة.
تنبثق كل أحلامنا في النوم وأفكارنا في اليقظة من نشاط بلايين الخلايا التي تعج بالنشاط العصبي المتواصل بلا كلل ولا ملل.
إن الفهم الأفضل للدماغ والعلميات التي تجري فيه يلقي الضوء على ما نؤمن جميعنا بوجوده في علاقاتنا الشخصية وما نعتبره ضروريًا في سياستنا الاجتماعية: كيف إن علينا أن نكافح، ولماذا نحب، وما الذي نتفق عليه أنه حقيقي، وكيف يجب أن نتعلم صياغة علاقات اجتماعية أفضل، وكيفية تصميم أجسادنا في القرون القادمة للمستقبل. يتم نقش تاريخ ومستقبل جنسنا البشري في الشبكات العصبية الدقيقة الموجودة في الدماغ.
بالنظر إلى مركزية دور الدماغ في حياتنا، لطالما كنت أتساءل لماذا نادراً ما يعير مجتمعنا هذا الموضوع الأهمية التي يستقها بحثا ومناقشة، مفضلاً بدلاً من ذلك ملء موجات الإذاعات والتلفزيون بشائعات وأخبار عن المشاهير وبرامج الواقع التافهة. لكني أعتقد الآن أن هذا النقص في الاهتمام بالدماغ لا يمكن أن يؤخذ على أنه تقصير ، ولكن كدليل: نحن محاصرون داخل واقعنا لدرجة أنه من الصعب للغاية إدراك أننا محاصرون داخل شيء ما.
هناك شيء واحد مؤكد: جنسنا البشري لا يزال في بداية الطريق لتحقيق شيء ما، لا نعرف ماهيته تمامًا لحد الآن. نحن في لحظة غير مسبوقة في التاريخ، حيث يتطور علم الدماغ وتكنولوجيا بوتيرة متسارعة. إن ما يحدث عند مفترق الطرق هذا جدير أن يغير هويتنا ومن نكون.
يقدم دماغ كل منا سردًا للواقع كما يعتقده – ويؤمن كل منا بالرواية التي يسردها له دماغه. سواء كنت تتعرض لخداع بصري، أو مؤمنا بان الحلم الذي رايته قد وقع فعلا، أو تمتلك إدراكا للحروف ممتزجا بالألوان، أو تتقبل الوهم كما هو على انه حقيقي خلال نوبة من مرض انفصام الشخصية، كل منا يقبل الحقائق كما تعرض عليه مهما كانت طالما كانت أدمغتنا تؤلفها وتعرضها علينا.
والأكثر غرابة هو أنه من المحتمل أن يروي كل دماغ قصة مختلفة قليلاً. لكل موقف ومع تعدد الشهود، تمتلك العقول المختلفة تجارب ذاتية خاصة مختلفة. مع وجود سبعة مليار عقل بشري تتجول على كوكب الأرض (وتريليونات من أدمغة الحيوانات)، لا توجد نسخة واحدة من الحقيقة متفق عليها من الواقع. كل عقل يمتلك حقيقته الخاصة.