الوصف
رباعيات عمر الخيام – هو كأمواج البحر يأتي أزرق مندفعاً فيصدم شاطئ النفس بقوة اندفاعه ويتكسّر عليه مزبداً وينتفض فإذا هو أبيض جميل قد ازدان بكلّ ألوان السماء، ويستقل كل من هذه الأمواج بنفسه يفصله عن غيره وادٍ عميق هو الشهيق الذي يعقب زفير البحر العجاج يوم تهبّ العاصفة وإن كان صدر الخضم الذي تبدو عليه هذه التنهدات واحداً.
والطبيعة تجيش في فكر الشاعر كما تجيش في البحر الزاخر، فرأى نفر من شعراء الفرس في إبان دولة الشعر أن يصوروا بعض هذه الأمواج في شكل رباعيات يستقل كل منها عن غيره ففعلوا، وأجاد من بينهم عمر الخيّام أكثر من المصورين الآخرين.
عمر الخيّام هو رباعياته، ورباعياته هي عمر الخيام، فإنها أمواج ذلك الفكر الواسع الثائر ولم يكبر عمر الخيام في زمانه أو في هذا العصر برياضياته وطبّه وسائر علومه، بل كبر برباعياته الخالدة تلك التي أودعها روحه الملتهبة وخلاصة آرائه مصرحاً بحقائق كانت الأجيال التي سبقت تجبن محجمة عن التصريح بها.
نظّم ذلك المفكّر الكبير كل اندفاع من اندفاعات فكره في أربعة أشطر، فجاءت الرباعيّات كأنها دساتير للعلم والاجتماع تعرب عن حقائق شاخصة هي في عظمتها كالأعلام المنيفة وقد أكبرت الأمم ما فيها من معانٍ جليلة قد أفرغت في ألفاظ جميلة أكسبها الوزن موسيقى تشجي فسهل حفظها وجرت على الأفواه كالأمثال وهنا سبب خلودها.
ولقد ترجمت رباعيّات هذا الحكيم التي هي على قدمها جديدة كالليل والنهار إلى أكثر اللغات الغربية. ولعلّ الغرب لم يأخذ من أدب الشرق أجلّ وأجمل من رباعيّات الخيّام. أخذها وتصرف فيها تقريباً لها من أدبه، فتغنى بها المغنون وتسامر المتسامرون حتّى اشتهر الخيّام في تلك الأصقاع البعيدة أكثر من منبته. على أنَّ كثيراً من رباعيّاته ليس من الروعة بالمكان الذي يجدر بالإكبار، بل هناك الرائع السمين وهناك التافه الغث، ولعلّ الكثير مما يعزى إلى هذا الحكيم هو مدسوس في رباعيّاته.
وقد اختلفوا في عدد ما هو له في الحقيقة من بين ما تتداوله الناس باسمه، فمن زاعم أنها زهاء ألف، وظانّ أنها لا تتجاوز الثلاث مائة، ومعتقد كاعتقادي أنها مائتان تقريباً وكثير منها مغلوط فيه لتعاقب النساخ وطول العهد.