الوصف
الاستشراق برؤية شرقية – لقد تحوّل الاستشراق إلى حقل معرفي مميّز، له مناهجه وأطره ومدارسهُ الجديرة بالتمعّن والتفاعل، كما تحوّلت بعض جوانب اهتماماته إلى مراكز علمية ثقافيّة تتمّ فيها دراسة تلك الجوانب بشكل جماعي. والاستشراق بات أهم مصادر التثاقف المتبادل بين ما يسمّى (الغرب) وبين ما يسمّى (الشرق)، كما أنه (أي الاستشراق) صار يثير أعداداً متزايدة من المعنيين بحقول المعارف التي تتجدّد مع الزمن. وما أضافه مفكرو العصر الحديث باستمرار وما أصدروه من أحكام ورؤى جديدة ومتباينة بعد أن تحرّروا من أسر وذيول التأثيرات العاطفية (دينية عرقية .. الخ) التي أثارتها أحداث التاريخ، وتحرّروا من الارتهان للرؤى التقليدية المتعالية، في وقت أعلن فيه المستشرق الفرنسي المعاصر (جاك بيرك) نعيه للاستشراق، كما أعلن أنور عبد الملك أن (الاستشراق في أزمة) في مقال تحت هذا العنوان نشره في مجلة (ديوجين Diogenes)، وأدانه إدوارد سعيد وفعل مثله (إرفن جميل شك) في كتابه (الاستشراق جنسياً)، كما أدانه كتّاب آخرون، إضافة إلى أن الأمر في واقعة يمسّ الوتر المشدود – حسب تعبير (د. صبري حافظ) – بين طرفين، وما بينهما من تباين في الجذور والمنطلقات والرؤى والتناقضات الحادة أحياناً. وقد وصف (ريتشارد سوذرن) العلاقة القائمة بينهما والتجاذب بين المعرفة وإرادة القوة والاستحواذ، التي عبرت هذه العلاقة عن نفسها خلال مجموعة من التداعيات والتشابك، بما فيها علاقات قهر الآخر والاستيلاء عليه، وهذا ما ذهب إليه ميشال فوكو Mitchel Foucault. بما عناه من مفهوم الاستبعاد الثقافي والاجتماعي الذي فسّر (أركيولوجيته) المعقدة التي تهيّئ المناخ للتعامل مع الشرق كتابع، أو كشيء يمكن التصرّف فيه.
وإذا أردنا، نحن الشرقيين، أن ننهض من الكبوة، علينا أن نقرّ أنّ ثمّة كبوة فعلاً، وأنّ كبوتنا قد طالت. فعلينا أن ننظر إلى أنفسنا بتمعّن، لا من خلال مرايا محدّبة خادعة، كما يقول (د. عبد العزيز حمودة)، المرايا التي تضخّم صورنا، ذواتنا، ولا تدعنا نكتشف حقيقة أنفسنا، وحجمنا، ونلمّ بدورنا في زمن لم يعد فيه متّسع للعاطفة، أو لاجترار ماض – مهما كان جميلاً. إضافة إلى أننا لم نكن العندليب الوحيد الذي غرّد ومضى. فالماضي لا يسعف أُناساً لا يحاولون أن يكونوا جديرين بالزمن الصعب الجديد الذي وجدوا أنفسهم فيه.