الوصف
الخلافة – تاريخ الحضارة الاسلامية حتى اخر العهد العثماني – إنَّ كتاب (الخلافة) الذي نشره السير توماس آرنولد عام 1924 وأطروحة معالي السنهوري باشا التي وضعها بهذا الاسم أيضاً عام 1926 هما أوسع المراجع المؤلفة حديثاً بهذا الموضوع. وإنْ تشابَه المؤلفان في التقصي والتعمّق فهما يختلفان في أمر جوهري له خطره في النتائج التي أستخلصها: فالأستاذ آرنولد يحاول أن يلتزم الحياد والموضوعية في البحث لكنَّه يفرط في ذلك حتى ينقلب حياده أحياناً إلى شيء يشبه التهجّم والتعدّي، فهو مثلاً يشارك (كايتاني) في الأخذ بالنظرية المادية، فيزعم أنَّ الدوافع الرُّوحية كانت ضئيلة الأثر في الفتوحات العربية الإسلامية الكبرى، التي لم تكن ـ حسب رأيه ـ إلَّا نتيجة مباشرة لجدب الصحراء وجوع سكَّانها وطمعهم بخيرات البلاد المجاورة لهم. ونحن كعرب مسلمين لا نُقرّ هذه المادية الخسيسة ونعتقد اعتقاداً جازماً بأنَّ الحوافز القومية والرُّوحية كان لها الأثر الأول في التوسّع العربي الإسلامي، فما كان الفاتحون الأولون طلَّاب ثروة عاجلة وإنَّما استشهدوا في سبيل إعلاء كلمة اﷲ وتحرير إخوانهم العرب الذين سيطر عليهم الفرس والروم. وهذا هو الفارق الذي أردنا الإشارة إليه بين الأستاذ آرنولد وبين الأستاذ السنهوري الذي لم يتحلَّل خلال بحثه من نزعته الرُّوحية الأصلية.
ومهما يكن من شيء فإنَّ الكتاب المعرَّب قد أوضح ـ بجلاء وتوسُّع ـ الفوارق الأساسية بين الخلافة من جهة، والبابوية والإمبراطورية الرومانية المقدَّسة من جهة ثانية. ثم استعرض آراء الفقهاء والفلاسفة في الخلافة وشرائطها ومميّزاتها، وذكر مبادئ الفرق الإسلامية المختلفة في كنه الخلافة ومعناها من (الملكيين الشرعيين) وهم الشيعة الذين أخذوا بمبدأ (الحق الإلهي) إلى (اليساريين الديمقراطيين) وهم الخوارج الذين تمسكوا بمبدأ (السيادة الشعبية Souverainté du peuple) ونعتقد أيضاًَ أنَّ المؤلف يغالي بعض الشيء عندما يقرر أنَّ الخلافة كانت حكماً استبدادياً، تضع قوَّة غير محدودة في يد الحاكم وتطلب طاعة مطلقة من رعاياه: فلا يشارك المؤلف أحد في الزعم بأنَّ سلطة الخليفة يمكن أن تتجاوز أسس التشريع المقررة: فالقرآن هو دستور العرب وقانونهم المدني ومرجعهم الأعلى وهو يتطلب الطاعة ﷲ وللرسول وأولي الأمر لكنَّه يحدِّ هذه الطاعة في حدود الشرع التي أحاطت إحاطة غريبة بجميع الحقوق والواجبات، فليس منصب الخلافة إذن منصباً استبدادياً مطلقاً طالما هو مقيد بنصوص المصادر التشريعية المتفق عليها. ورغم أنَّ بعض الخلفاء قد تخطوا أحياناً هذه الحواجز فإنَّ سلطتهم مع ذلك كانت أضيق من سلطة معاصريهم من الأباطرة البيزنطيين والكارولنجيين، فشارلمان كان يسوس الدولة بما يصدره من الأوامر الملكية التي كانت صورة لرغبات العاهل وإن عرضت قبل فرضها على المجالس العامة، بينما لم يكن هارون الرشيد يتمتع بمثل هذا الحق الواسع.
وأخيراً، إنَّ كتاب (الخلافة) هو عرض عام للحوادث الرئيسية من تاريخ العرب منذ الرسالة حتى آخر العهد العثماني، وهو من هذه الناحية ذو فائدة وطرافة تعدل فائدته وطرافته ككتاب لتاريخ الحضارة العربية.