الوصف
المدن والمجتمعات العمانية وتطورها في العصور الاسلامية المختلفة – عرفت مدن الساحل العماني¬¬ ازدهاراً اقتصادياً وعمرانياً واسعاً، وهذا ما نلمسه مع موانئ شرق إفريقيا والموانئ الهندية وقد وصل هذا الازدهار ذروته في القرن التاسع الهجري/الخامس عشر الميلادي، وهو ما ظهر فيما كتبه الملَّاح العربي المشهور أحمد بن ماجد في مؤلفاته الكثيرة، ويبرز من خلال ذلك في البحوث التي كتبتها ا. د.صباح إبراهيم الشيخلي، الحقبة الإسلامية.
إلَّا أنَّ هذا المدن تعرَّضت لأبشع عمليات التدمير والخراب على يد البرتغاليين، وقائدهم ألفونسو البوكيرك، الذي لم يترك مدينة عمانية ساحلية دون أن يصبُّ جام غضبه عليها، فسلَّط نيران مدفعيته عليها، فحوَّل كثيراً من المعالم الحضارية العمانية إلى خراب.
غير أنَّ هذه المدن سرعان ما استعادت عافيتها، وعادت إلى ما كانت عليه، أبان عهد اليعاربة (1624 ـ 1749م)، بل أصابها تطوُّر عمراني كبير بمرور الزمن، وتكشف هذه التطورات الدراستان اللتان أعدَّهما كل من الأستاذ الدكتورة صباح إبراهيم سعيد في الحقبة الإسلامية، وأ. د. طارق نافع الحمداني في الحقبة الحديثة في ضوء رؤية تاريخية تحليلة.
لا آتي بشيء جديد إذا ما قلت: إنَّ لمنطقة الخليج العربي بصفة عامة، وعمان بصفة خاصة، صلات عريقة بشرق إفريقيا ترجع إلى ما قبل الإسلام بوقت طويل، وإنَّ العمانيين (فضلاً عن اليمنيين والحضارمة)، كانوا أول روَّاد لساحل إفريقيا الشرقي وأكثر تأثيراً في المنطقة في أيِّ فريق آخر.
إنَّ تاريخ العمانيين في شرق إفريقيا مرتبط بتاريخ التجارة العمانية وكلاهما، مع الأسف، غير مسجَّل أو مدوَّن بصورة دقيقة ومفصَّلة فالمصادر العمانية المنشورة تتجاهل كل ما يحيط بالعلاقات التجارية بين شرق إفريقيا عمان، على الرغم من أنَّ هذه التجارة كانت سبباً في إثراء العمانيين. كما أنَّ المدونات التي عثر عليها في شرق إفريقيا، فضلاً عن كونها متأخرة وتعتمد على التراث الشفوي، فإنَّ اهتمامه الرئيس ينصب على التاريخ السياسي للأسر الحاكمة في شرق إفريقيا. ولذا سوف يكون جلّ اعتمادنا على الأعمال الجغرافية والملاحية العربية الوسيطة التي تضمُّ معلومات قيِّمة حول التجارة بين عمان وشرق إفريقيا. فمن المعروف أنَّ النشاط التجاري للعرب المسلمين كان واحداً من العوامل التي شجعت البلدانيين العرب على الرحلة إلى أقطار شرق إفريقيا وتعريف الناس بمسالكها وطرقها ووصف سكَّان تلك البلاد وطبيعتها ومنتجاتها.