الوصف
بحث في التاريخ 1 -2 مجلد – يسرُّ المترجم أن يقدّم إلى قرّاء العربية هذا السفر النفيس الموسوم «بحث في التأريخ» لمؤلفه الشهير «توينبي»، وقداضطلعت بالعمل وأنا مدرك مبلغ الصعاب التي ستعترضني، وجسامة العمل وما يتطلبه من جهود، والذي حبب إليّ العمل وهوّنه عليَّ، تعلقي بهذا الكتاب الذي يعدّ بحق من أنفس ما أنتجه الفكر الغربي المعاصر في التأريخ وفلسفة التأريخ، وقد بلغ شغفي بهذه البحوث القيّمة مبلغاً أنني انكببت على مطالعتها والتزوّد منها بمجلداتها الأصلية غير الموجزة (من المجلد الأول إلى السادس) حتى أنني شرعت أنفِّذ فكرة عنّت لي في عام 1946م، هي إيجاز هذه المجلدات بالعربية، وكان ذلك قبل أن يظهر الموجز الإنجليزي الذي أقدّم ترجمته الآن. ولمّا أن ظهر هذا الموجز في ذلك العام نفسه وجدت ضالّتي المنشودة وقد تحققت فظللت أتحيّن الفرص للإقدام على ترجمته، فحانت تلك الفرصة الثمينة، والذي أعتقده مخلصاً أن القرّاء الكرام لا شكّ يشاركونني في حسن الاختيار، أيّ اختيار الكتاب إلى الترجمة، أما اختيار المترجم فأتركه لحكم القرّاء. وأراني في غنى عن تذكير القرّاء بأنه من المجمع عليه بين مثقفي العرب الآن أن الوقوف على ثمرات الفكر الغربي بمختلف أوجهه ونواحيه من ألزم ما تحتاج إليه نهضة العرب الحديثة، مما يجعلنا الآن ونحن أحوج إلى الترجمة منا إلى أيّ شيء آخر. ومما يجدر التنويه به أيضاً أن الإدارة الثقافية لجامعة الدول العربية قد اختارت هذا الكتاب من بين الكتب التي اقترحت ترجمتها.
تقدم مؤلفات السيد «توينبي» المعنونة «بحث في التأريخ» سلسلة واحدة مستمرة من المناقشة والمناظرة في طبيعة التجارب التأريخية للجنس البشري من أول ظهور نوع المجتمعات التي يُطلق عليها اسم «الحضارات». وبقدر ما تسمح به طبيعة مادة البحث وضح هذا النقاش وبرهن عليه في كلّ مرحلة بجملة أمثلة موضِّحة مستقاة من التأريخ البشري بجميع طوله وعرضه على قدر ما يكون هذا التأريخ معروفاً لدى المؤرخين في زماننا هذا. وقد استشهد في بعض الأمثلة الموضحة بكثير من الإسهاب. وإذ كانت هذه هي طبيعة الكتاب، فإن وظيفة الناشر لموجزه ليسيرة وسهلة في أسسها، وأعني بذلك المحافظة على نقاش البحث وجوهره سليمين غير منقوصين، وإن كان ذلك بتعابير موجزة، ثم الاختصار إلى درجة ما من عدد الأمثلة الموضحة، وبدرجة أكبر الاختصار من الإسهاب والتفصيل في عرضها.
والذي أحسبه أن هذا الكتاب (الموجز) ليعرض فلسفة التأريخ الخاصة بالسيد توينبي عرضاً ملائماً مناسباً بالقدر الذي ظهر منها في المجلدات الستة الأولى التي نشرت من مباحثه التي لم تتم بعد. ولو أن هذا الكتاب الموجز لم يف بهذا الغرض لما وافق السيد توينبي على نشره (كما يتّضح ذلك من مقدمة المؤلف). ولكن يحزنني كثيراً لو أن القارىء عدّ هذا الموجز على أنه بديل كاف تمام الكفاية من البحث الأصلي. إنه قد يكون بديلاً ملائماً للأغراض العملية، ولكنه ليس كذلك أبداً من ناحية اللذة «العقلية» لأن القسم الأعظم مما يتّصف به التأليف الأصلي من السحر والجاذبية إنما يكمن في كثرة الأمثلة الموضحة وسعتها. وإن المرء ليشعر بأنه ليس سوى الكتاب العظيم ما يسوي كبر موضوعه من ناحية الإحساس بالجمال.
لقد شرعت بعمل هذا الموجز من أجل التسلية الشخصية دون معرفة السيد توينبي ودون أن أفكر بالنشر والطبع. فقد بدا لي أن ذلك أحسن وسيلة لتمضية الوقت وتزجيته. ولم أخبر السيد توينبي بوجود الموجز إلاّ بعد أن أنهيت عملي فوضعته تحت يده ليتصرف به ويستعمله كيفما شاء وأنّى شاء . وبما أن «السيد توينبي» قد نقّح جميع مسوداتي وحصلت على إجازته للطبع فلا حاجة إلى الإشارة إلى هذه الإضافات .