الوصف
تاريخ العرب في اسبانيا او تاريخ الاندلس – بهذا كتاب في تاريخ الأندلس أودعته خلاصة بحث بشأنه مؤرخو العرب والإفرنج وغرضي أن أقدم إلى ضحة من ذلك التاريخ بجميع مظاهره الحربية والسياسية جميع أدواره من رفعة واضمحلال ثم نهاية عد الإقدام على كتابة أمجد صحائف التاريخ العربي جرأة كبيرة فإنها جرأة يبررها الإخلاص ورغبة حارة في رفع ذلك المستوى الذي هبطت إليه الآداب التاريخية في عصرنا، يبررها اختلال المؤلفات القديمة الضخمة ومرارة المراجعة فيها وتبررها ندرة المؤلفات التي تلائم ذوق المتعلّم الحديث .
حقاً إن وعورة المسلك تثبط همة الـكاتب ولكن جمال الموضوع قد يشجعه على اقتحام المصاعب ، ولذا ما كدت أبدأ بإنشاء أول فصل من ذلك التاريخ حتى راعني تشعب الحوادث وأضلني اختلاف الرواية ولكن شاقني بهاء الموضوع وشجعني سمو المجهود فغالبت المصاعب واستنهضت العزائم لإتمامه .
وكل باحث في الموضوع يعرف بلا ريب ما يعانيه الكاتب في استخراج الحوادث من المؤلفات العربية القديمة ومن المؤلفات الإفرنجية التي تفيض بالتعصب والتشيع وإن خلت من الاختلاط والاختلال على أني بين العناصر المتباينة شققت لنفسي طريقاً وسطاً وانتهجت نظاماً يتفق مع الروح الحديثة لكتابة التاريخ : أردت أن أكتب تاريخ الأندلس ملوكاً وشعوباً، فطالما عامله المؤرخون الأقدمون تاريخاً فردياً جلّه أقاصيص الخلفاء وأخبار الشعراء والندماء ، وأردت أن أطبق الأنظمة السياسية الحديثة على حكومات الأندلس وانقلاباتها المختلفة . وربما كانت هذه الغاية سبب ما قصدت من إغفال القصص الفردية وذكرالمناقب الشخصية بالإسهاب الذي يشوه المؤلفات العربية . ومع ذلك فإني لم أهمل فرصة يمتزج فيها التاريخ والأدب ويروق فيها للمؤرخ أن ينتقل من سرد الحوادث الحربية إلى ذكر الصفات والأخلاق الشخصية وللقارئ أن يتلو مميزات العظمة والبطولة . على أني لم أتوسع في ذلك خشية الخروج عن الحد الذي رسمته لذلك المؤلف من الاقتصار على التاريخ الدولي وربما عرضت لي فرصة لوضع مؤلف خاص في آداب الأندلس وحضارتها .
ولقد عانيت مشقة كبيرة في التوفيق بين الروايات المختلفة واستخلاص الحقائق منها وكثيراً ما راجعت صحائف المؤلفات الإفرنجية لأظفر منها بنبذ اجتماعية أو سياسية قد تخلو منها المؤلفات العربية ، كان رائدي في نقلها منتهى الحذر والتحقيق دفعاً لما قد يغشاها من المؤثرات الدينية أو القومية .
وقد رأيت أن أتبع في ترتيب فصول هذا الكتاب نظام المؤلفات الحديثة لأن ذلك خير معين على تكوين فكرة صحيحة عن أدوار التاريخ الأندلسي فاتخذت انقلاب الحكومة أو انقراض الدولة أو نهوض المتغلب فاتحة لعصر جديد وخاتمة لدور من أدوار الحضارة،وعنيت بالإلمام بدقائق في الفتوحات والمواقع الحربية وأنظمة الحكومات المدنية لاحظت أنها مهملة في المؤلفات القديمة مؤملاً بذلك أن يتلى تاريخ الأندلس كما يتلى تاريخ الجمهورية الفرنسية أو الجمهورية الألمانية .