الوصف
رحال – أسفار عبر مدن بلا نهايات – وقفت نيرة في شرفة المكتب تدخن سيجارتها، تتأمل الفضاء من حولها، الأضواء تنبعث من الأبراج السكنية المحيطة، تحاول أن تبدد جزءً من عتمة الليل المخيمة،تستنشق الهواء المشبع بالرطوبة، تملأ به رئتيها، تنفث دخان السيجارة وتلفظ معه كل التوتر والسموم التي تنساب بداخل عقلها أو هذا ما تتوهم أنه يحدث، تجتر بمخيلتها السنوات الأخيرة والحافلة بالأحداث من حياتها،تغيرات حادة عصفت بكل الاستقرار الذي كانت تنعم به،توفيت أمها فجأة وتزوج أبوها من أخرى، صار لها ولأخيها مطلق الحرية في أن يفعلا ما يريداه، لا يهتم الأب سوي بالزوجة الشابة، أخوها لا يبالي سوي بسهراته مع أصحابه وزملائه بالجامعة، أكملت تعليمها في كلية التجارة والتحقت بعد انتهاء الدراسة بإحدى شركات المقاولات لمدة عام وتركتها إلي الوطنية للمناجم،شركة مساهمة قطاع خاص يمتلك شريف النصيب الأكبر في أسهمها، أربعيني وسيم بشخصية آسرة وقوية، تتقاضي منها مرتباً مغرياً، تتأخر في العديد من الأحيان بعد مواعيد العمل الرسمية، الوظيفة تتطلب بعض المرونة والتنازلات، تعرف حدود تلك التنازلات جيدا، تؤمن بالحرية المطلقة التي وهبت للمخلوقات جميعا، يفعلون ما يشاؤون طالما لا يتسببون بالأذى والضرر لأنفسهم وللآخرين بتلك الأفعال، يرميها المدير المالي للشركة مدحت بنظرات نارية، تتوغل تلك النظرات إلي ما تحت ملابسها، تشعر بالسعار الجنسي الذي يتركز فيها وتعبر عنه حركات الرجل الشهوانية، يحاول بيده أحياناً ملامسة أجزاء من جسدها ولكنها تجبره أن يتراجع، تساهلها معه له حدود، يغريه تبرجها وعري أجزاء من جسمها، تتباهي بمفاتنها، لا تؤمن بأن علي المرأة إخفاء مفاتنها، خلق الله الوجود جميلا وظاهرا غير مخفى وهي جزء من هذا الوجود، جسمها جزء من اللوحة الكبيرة للخالق هذه قناعتها، تنفث مع السجائر بعض همومها، تشعر بالارتياح النفسي بعد كل سيجارة تحرقها، حين ماتت والدتها كانت في العام الجامعي الثاني وأبوها لم يصبر، اصطحب إلي البيت سريعا إحداهن تحت مسمي الزواج.