الوصف
رحلة الى داخل الجزيرة العربية /النص الكامل 1-2 – مقدمة الرحالة
منذ فتوتي، خلال فترة دراستي الجامعية، وضعت خطة لرحلة أجوب فيها شبه الجزيرة العربية وقدَّمت بهذا الخصوص في سنة 1864م مذكرة إلى وزارة الثقافة في ولاية فيتّنبرغ (الألمانية)، لكنَّني اضطررت إلى التخلي عن التنفيذ بسبب عدم توفر المال اللازم لذلك ونتيجة لانخراطي في هذه الأثناء في مشاغل الحياة اليومية. بعد عشرين سنة تقريباً تناولت الفكرة من جديد. وبعد أن رفضت وزارة الداخلية للرايخ الألماني في برلين، بسبب نقص التمويل، الطلب الذي تقدَّمت به طلباً للمساعدة، تمكَّنت من تنفيذ الرحلة خلال سنتي 1883م و1884م بفضل الدعم الكريم الذي قدَّمه لي الوالي القيصري لمقاطعة الإلزاس ـ واللورين المرحوم البارون إدفين مانتويفل. ولقد تكرَّم عليَّ أيضاً بنفس السخاء صاحب الجلالة الملك كارل فون فوتنبرغ الذي زوَّدني بكل ما يلزم من الأسلحة للقيام بهذه الرحلة.
كان رفيقي في الرحلة السيِّد كارل هوبر (اغتيل بالقرب من جدة في 29 يوليو/تموز 1884م)، المولود في الإلزاس وحامل الجنسية الفرنسية بالاختيار، والذي كان قد جاب هذه المنطقة قبل بضعة أعوام وكانت خبرته ومعرفته للمناطق والأمكنة عوناً كبيراً لي؛ وعلى الرغم من أنَّه كان لديه تكليف رسمي من الحكومة الفرنسية للقيام بالرحلة وحصل أيضاً على أموال مختلفة لهذا الغرض، فإنَّه كان ضيفي بدءاً من ستراسبورغ (22 مايو/أيار 1883م) وحتى انفصالنا بكل مودَّة (19 مارس/آذار 1884م) في العلا.
كان غرضي من الرحلة ينصبُّ في المقام الأوَّل على الآثار والكتابات والنقوش الأثرية القديمة. كنت أريد في هذه البلاد ـ’التي توغل فيها قديماً المحتلون الآشوريون والتي ظلَّت تجارة البلدان المشرقية والجنوبية إلى البحر المتوسط قروناً عديدة تنقل عبرها على ظهور الإبل ـ دراسة آثار التاريخ ما قبل الإسلام في صيغة الكتابات والتماثيل والشواهد التاريخية المتبقية من ذلك الزمان. ولقد نشرت النتائج العلمية في هذا الاتجاه بأهم أجزائها.
لكنَّني في هذا الكتاب أردت أن أُقدِّم للجمهور الأوسع وصفاً لمشاهداتي وانطباعاتي الشخصية التي يمكن أن تكون ـ على الرغم من صبغتها الشخصية تماماً ـ ذات أهمية من جوانب مختلفة. ولمجرَّد الذِّكر لا أكثر ـ ولأنَّني لست مختصّاً بالدراسات اللغوية العربية ـ قمت بين حين وآخر بالتطرق إلى هذه المسألة أو تلك، الأمر الذي قد يرحب به المختصون باللغة العربية. كما أنَّه لم يكن من الممكن تفادي استعمال كمية من الكلمات والتعابير العربية التي تستعمل هناك على الدوام في الحياة اليومية. ولذلك أضع هنا في المقدمة قائمة بالكلمات العربية التي تتكرَّر كثيراً في العرض:
(يضع المؤلف قائمة مؤلفة من حوالي ثلاثين كلمة عربية، أو تعبير عربي، استعملها في النصّ بصيغتها العربية، ثمَّ يشرحها للقارىء الألماني، نذكر منها، على سبيل المثال: البدوي، العصر، الرديف، الغزو، الحمد لله، إن شاء الله، السلام عليكم،…إلخ…، ولا نرى ضرورة لعرضها كاملة، المترجم).
فيما يتعلَّق بالصور والرسمات التي أضفتها إلى النص أرجو من القرَّاء إبداء قدر من التسامح لأنَّني لا أدعي أنَّني فنَّان في الرسم؛ بالمقابل آمل في أنَّها ستسهل فهم النص وتوضحه، وستوفر على أيِّ حال كثيراً من الكلمات غير اللازمة.
وإذا ما كان الجزء الأوَّل من كتابي عن هذه الرحلة لم يصدر إلاَّ الآن، أي بعد 12 سنة من قيامي بها، فأرجو أن يؤخذ بعين الاعتبار أنَّ عملي في المكتبة هنا لا يترك لي إلاَّ ساعات قليلة من اليوم وأنَّني قد أنجزت الجزء الأكبر من الكتاب، بما في ذلك الرسومات، في ساعات متأخرة من اللَّيل أو في الصباح الباكر.