الوصف
شاهد عيان – كتبت هذه الذكريات العزيزة والمؤلمة لكي أدوّن جزءاً ولو بسيطاً من تاريخنا المؤلم، وفيها ليس فقط ما حصل لأهلي وأسرتي وإنما أحكي عن الظلم الذي عاصرناه كأسرة وكشعب وكأي بشر منذ أن حلّ علينا ذلك البلاء المسمى حزب البعث. وبهذه الذكريات، أتمنى أن يعرف العالم وأن يعترف ولو لمرة واحدة. بما فيهم الدول الغربية والعربية وحتى العراقيين أنفسهم الذين دافعوا عن النظام ووصفوا من عادى النظام بالرجعيين والمتخلفين لتسلمهم للسلطة، وأن جرائم ” أبي طبر” هي أولى ” إنجازات” البعث في العراق، وأن أقول للجميع بادئ ذي بدء أن ليس هناك في الكون ثمة عذر أو سبب يتقدم به من ساندوا البعث – كانوا عراقيين أم عرب أم أجانب- ليُكفّر عن ذلك الجرم الكبير.
أبدأ هذا الكتاب بذكريات منها ما هو جميل ومميّز وليس له مثيل، ومنها ما هو اعتيادي وقد يحصل في أي أسرة، وهنا أنا لا أريد أن أتبجّح بالحياة الجميلة التي لمستها أنا واستمتعت بها – لسنوات قليلة – ثم اختطفها البعث مني بسرعة ومن الآلاف الذين قتلوا وهجروا، بل أسردها وأريد أن يعلم كل صغار العراق بأنه كان هناك بلد جميل وحياة ناعمة وأني وغيري قد ذقنا من ذلك الشي اليسير، ولكنه – على الأقل بالنسبة لي – هو كافٍ أن جعلني لأكثر من سبع وعشرين سنة في الغربة أنتظر وأحلم بالرجوع وأعشق الحياة في العراق على الرغم من المصاعب المعيشية والأمنية التي نسمع عنها كل يوم، ذلك لأن سنوات قليلة فيها لمسات من الحب والسعادة زرعت في نفسي بحراً من الحب لهذا الوطن.
ومع أني، ككل العراقيين، فرحت لانتهاء البعث وحزنت لما حلّ ببلدنا وأهلنا بعد السقوط من فوضى ودمار وطائفية تغطّت كلها باسم الديمقراطية، الا أن أشدّ ما أحزنني وصدمني، أيضاً كالملايين من العراقيين، هو اختزال “انسيكلوبيديا” جرائم البعث باثنتين أو ثلاث من كبرى جرائمه وإهمال حتى مجرد ذكر أو قراءة أو تدوين المئات بل الآلاف من الانتهاكات لحقوق الإنسان…