الوصف
كتاب المعراج – «المُحِبّ إذا سكتَ هلكَ، والعارِف إن لَم يسكت هَلك» هذه العبارة للشبليّ تكشف حقيقة تتعلق بالصوفيّ إذا وصل إلى مرتبة العارف، فيمكن حينها أن تصدر عنه أقوال تناقض أحكام الشريعة في ظاهرها بشدة، وبالتالي قد يُصار إلى الحكم بكفره ويهدر دمه بناء على ذلك، ما الذي أودى بحياة عين القضاة الهمداني الشهير وبالحلّاج غير هذا السبب؟ وما الذي كتب نهاية شيخه السهروردي المقتول مجللاً بالخزي سوى ذلك؟ ألم يكن هذا بالتحديد مبرراً لطرد أهل بسطام وترمذ لكل من أبي يزيد البسطامي والحكيم الترمذي من بلدتيهما غير مرة؟
في هذه الدراسة التي أُجريت تحت إشراف البروفيسور آرثر جون آربري، يحاول الباحث أن يقدم تفسيراً – ليس بالضرورة عقدياً ولا شاملاً – لموقف الصوفية من العمل بظاهر الشريعة وفهمهم لها. فمن الملاحظ أن الصوفية (كذلك «المنقطعين في الصحارى»، مع اختلاف السياق نوعاً ما) لم ينظروا مطلقاً إلى الشريعة بنظرة عوام الناس لها نفسها.
ذلك لأنَّ ظاهر الشريعة (عند أهل الزهد والتصوّف من كل دين) ليست سوى نقطة مرحلية أو وسيلة يتوصل بها إلى تأمّل جلال المحبوب الإلهي، في مقام «معاينة السر مع فقدانك» حسبما قال شيخ الطائفة الجنيد البغدادي. ويعتبر النوري، وهو معاصر للجنيد، أن تحقق العارف برؤية اﷲ هو عودة إلى نقاء الفطرة الأولى للإنسان قبل أن يوجد، وعروج عكسي نحو مراتب الكمال التي تحدّر منها فيما سبق. وهو ما يتضح من قوله: (فبرزنا إلى العدم… فوجدناها عوالم الذات… ثم نزلنا إلى عمارة الحدث… ثم خضنا في الظلمات… ثم صعدنا بطريق الترقي… ثم قمنا عنا… ثم عن قمنا قمنا ثم استوت هذا مع لا هذا).
وكما يقول الصوفية «من أراد فهم حقيقة التصوّف، فليكن من أهله»، وها أنذا أنتمي لسامراء التي استلهم التصوّف فيها حيويته من كبار أسباط النبي ﷺ حيث توجد مراقدهم. ورغم تعدد الطرق الصوفية وتنوّع ممارساتها، إلا أنهم يتفقون جميعاً على استحالة إدراك العاميّ، غير السالك، لحقيقة السموّ من خلال رياضة النفس.