الوصف
نجد الشمالية – من القدس الى عنيزة في القصيم – 1851 م – يجب اعتبار شبه الجزيرة العربية التي يطلق عليها سكانها اسم جزيرة العرب، أرضاً مجهولة تقريباً بالكامل مثل أفريقيا المجاورة، تشترك معها بظروف المناخ والتربة المشابهة. صحراء منبسطة رملية، جبال وصخور، ندرة في المياه وقلة في النباتات، حرارة حارقة في الصيف وبرد عاصف في الشتاء ومنتجات غير هامة. ولما كانت لا تمتلك تجارة ولا صناعات أو فناً أو آثاراً فإنه لا يبدو أن يكون هناك أي من الاكتشافات التاريخية الكبيرة، ولا أي فرصة لحل المشاكل ذات الطبيعة الجغرافية التي قد تكون مفيدة للتقدم الإنساني. مثال ذلك اكتشاف منبع نهر مهم. لذلك ليس من المدهش إذا تم حتى الآن العثور على القليل منها، لتجلب جلودهم (أو ُقربَهم) ـ كمايقول المثل ـ إلى السوق كل يوم، لاستكشاف هذه البلاد. يجب أن يكون للمسافر الراغب صفات شخصية تتأقلم على نحو خاص مع صعوبات الدخول إلى وسط هذه البلاد المجهولة. يجب أن يكون لديه بنية من حديد لتقاوم البرد والحرارة والطعام السيئ والماء الأكثر سوءاً والجوع والعطش وقلة النوم والتعب بسبب الرحلات المتواصلة على الجمال التي غالباً ما تعني ساعات أكثر من طول النهار بكامله. إضافة إلى ذلك يجب أن يكون على علم بلغة وعادات وتقاليد السكان المحليين لكي يكون قادراً على التجوال بين قبائل البدو في الصحراء كما لو كان ابنهم، ولا يمكن الحصول على مثل هذه المعرفة إلا بعد سنوات عديدة من الحياة مع العرب. لذلك بالرغم من أنه من غير المدهش أن هذه البلاد ليست معروفة إلا قليلاً، فإنه يمكن أن نأمل بأن تحل أسرارها في المستقبل القريب . الدكتور هـ. ج. روزن- قنصل صاحب الجلالة- لدى ملك بروسيا في فلسطين.
وُلد كارلو كلوديو غوارماني في مدينة ليغهورن Leghorn (Livorno بالإيطالية) يوم 11 ديسمبر/كانون الأول من عام 1828م. كان والده من مواليد بولونيا (شمال إيطاليا) وكانت والدته ـ أرجنتينا فيغنوزي ـ من ليغهورن. عمل أبوه في البداية وكيل تأمين وشحنٍ بنجاح كبير وبعد ذلك تاجر حرير، لكن عندما فشل في أعماله وفقد كل ثروته قرر أن يهاجر إلى بيروت مع عائلته. رحب كارلو ـ الذي كان وقتئذ شاباً لم يبلغ العشرين مع العمر ـ بقرار والده لأنه أبدى ميلاً للسفر منذ شبابه. وفي عام 1850م أبحر مع والده وأخويه وأخواته الثلاث إلى سوريا بعد أن كانت والدته قد توفيت قبل عدة سنوات. في بيروت كرس كارلو نفسه في البدء للتجارة، لكنه لم يجد نفسه مناسباً لقضاء معظم وقته في مهنة كثيرة الجلوس. سرعان ما أصبح عامل خدمة البريد الفرنسية الإمبراطورية في القدس لكنه وسّع نشاطاته التجارية بتأسيس علاقات مع القبائل البدوية في مناطق الحدود. وبالرغم من أنه احتفظ بمنصبه الرسمي مدة اثنتي عشرة سنة، من المؤكد أيضاً أنه كان يجد وقت فراغ كبيراً تحت تصرفه، فقد كان قادراً على زيارة مصر والعودة إلى إيطاليا في عدة مناسبات. كان أيضاً حراً في الانصراف لهوايته الخاصة وهي دراسة وحيازة أفضل أنواع الخيول العربية. وأخذه هذا دون شك إلى سبخات صحراء سوريا وفلسطين. لكن من الصعب معرفة إلى أي مدى ذهب في هذا الشأن.
وبالتأكيد أصبح على معرفة بقبائل البدو الكبيرة التي كانت ترعى هناك بين الأراضي المأهولة من سوريا وشمال نجد، وحصل على معرفة بالقبائل وفروع القبائل ما أفاده كثيراً في وقت لاحق. يقول إنه وصل الجوف (Jauf) في إحدى المرات لكننا غير متأكدين من هذا. وكما قيل إن ذلك كان في عام 1851م، بعد سنة من وصوله إلى سوريا، لكن يبدو أن ذلك مشكوك فيه. وكانت حصيلة هذه الرحلات المبكرة نشر كتابه عن «الحصان العربي الأصيل»: «الخمسة» وهذا معناه السلالات الخمس الأسطورية للنسب العريق أو النسب المعرف أي: كحيلان، عبيان ، صقلوي، حمداني وهدبان: (Kuhaylan,Ubayyan, Saqlawi, Hamdani, Hadban).
كان هذا الكتاب الذي نشر مرة في 1864م، قد نشرمرة ثانية في 1866م مكرساً لفكتورعمانوئيل الثاني ـ ملك إيطاليا. كان يعالج على نحو منفرد الحصان العربي وسلالاته المتعددة، والنظام الذي كان المؤلف يعتقد أنه يجب اتباعه من أجل تحسين النسل. ومنه لا نعلم شيئاً عن رحلاته، لكنه يبين لنا أنه من المؤكد رأى الكثير من الداخل السوري، وربما زار مخيمات بني صخر وبشر والرولة لأن من المحتمل أن تلك المناطق ربما كانت المنتج الأكبر لنوع الحصان المناسب لسوقه.