الوصف
تاريخ امارات العرب في جزيرة العرب – من مقدم الدكتور طارق الحمداني
اعتاد الأب أنستاس ماري الكرملي (1867 – 1947)، أن يُورد ترجمة لحياة أبرز كتاب مجلته المعروفة (لغة العرب)، وكان سليمان الدخيل واحداً من أولئك الكتاب الذين ترجم لهم الأب الكرملي ، وقد وردت تحت عنوان (طُرف من ترجمة كاتب هذه المقالة) .
ومع أن الدخيل كان قد بدأ الكتابة بمجلة (لغة العرب) في الجزء 1، المجلد 1، تموز 1911، إلا أن الترجمة أعلاه كانت في الجزء 1 من السنة 6، تموز 1914، بعد أن كتب مؤلفنا الكثير من بحوثه في المجلة المذكورة، وبعد أن لمع نجمه في أوساط الكتاب والباحثين العراقيين آنذاك.
تُعدّ هذه الترجمة أول تعريف واضح لحياة الدخيل وسيرته، ويبدو أن معلوماتها مستقاة من المُترجم له. ومع أن الترجمة جاءت موجزة، إلا أنها وضعت الخطوط العريضة لحياة الدخيل ومؤلفاته، وظل الباحثون يتداولون هذه السيرة في مؤلفاتهم التي تناولت ا لدخيل، وزادوا ما طرأ عليها من تغيرات .
والدخيل هو ذلك النجدي المعروف بسليمان بن صالح الدخيل، إذ ولد في بلدة بريدة بالقصم من بلاد نجد، وكان عمره نحو 37 سنة عند ترجمة الكرملي له سنة 1914، “عصبي المزاج، بدوي الأخلاق” – على حد وصف الكرملي له.
لم يُعرف عن الدخيل أنه دخل مدرسة رسمية أو انتظم في أي معهد من معاهد العلم، ولم يحصل على إجازة علمية في أي فرع من فروع المعروفة، إلا العربية وعلوم الدين في كتاتيب نجد .
إرتحل الدخيل بعدها إلى بلاد كثيرة، فحط رِحالَه في بلدة الزبير، التي كانت من حواضر الثقافة العربية الإسلامية في عصره، فإليها “هاجرت كثير من الأسر النجدية من سدير والقصيم وبلاد نجد الأخرى”، حيث وجدت ضالتها هناك في طلب العلم .
لم يُطِلْ الدخيل مكوثه في الزبير – على ما يبدو – إذ إتجه إلى البصرة، ومنها أبحر إلى الهند طلباً للرزق. وهناك التحق بعبد اللَّه بن محمد الفوزان، التاجر ا لنجدي، فعمل كاتباً هناك .
عاد الدخيل إلى البصرة بعد قضائه مدة من الزمن في الهند، قاصداً الاتصال بعمه الشيخ جار اللَّه الدخيل في بغداد، الذي نال مكانة وثراءاً، بعد أن أصبح وكيلاً لإمارة آل رشيد في العراق ، وكان بحاجة إلى مَنْ يَعضُد نشاطه التجاري والسياسي في تلك البلاد، فكان له ما أراد على يد الدخيل، حيث أصدر حريدة (الرياض) عام 1910، ومجلة (الحياة) عام 1912 .
أتاحت رحلات الدخيل وإقامته في بغداد فرصة الإطلاع على أحوال الناس في الهند والعراق، ودفعه طموحه إلى أن يأخذ العلم على أيدي كبار علمائه وأدبائه، ومنهم السيد محمود شكر الآلوسي، فإتسعت مداركه، وتوسعت ثقافته، وقد ظهر آثار ذلك في مؤلفاته التي كتبها في العراق .
عمل الدخيل في الصحافة بعد خلع السلطان العثماني عبد الحميد الثاني وإعلان الدستور سنة 1908، لكنه أضطر إلى ترك العراق هرباً من ملاحقة الاتحاديين له، متوجهاً إلى المدينة المنورة، وهناك عكف على دراسة المؤلفات المهمة في اللغة والتاريخ والأنساب (في خزانة شيخ الإسلام عارف حكمت المتوفى سنة 1270ه-/ 1853م) .
عاد الدخيل إلى العراق بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى، وأقام في بغداد، متخذاً من جانب الكرخ موطناً، حيث أنها كانت مثابة لأهل نجد المهاجرين إلى بغداد . بيد أنه لم يرجع إلى نشاطه في الصحافة، وآثر العمل الوظيفي، ثم عاد إلى الصحافة سنة 1931، وأصدر جريدة (جزيرة العرب) الأسبوعية، التي لم تستقم سوى ثلاثة أشهر، فرجع إلى الوظيفة، وشغل عدة مناصب إدارية حتى توفي ببغداد سنة 1944 .