الوصف
تطبيير الروؤس وتجريح الاجساد – الجذور التاريخية للاحزان الشيعية – لقد تناول بالدراسة الكثير من المؤرخين والباحثين الاجتماعيين هذه الظاهرة العنيفة في التفجّع على الحسين التي لصقت بالمذهب الشيعي الاثني عشري وهي من ابتداع بعض الشيعة من العامّة والسُّوقة، فأرجعوها إلى أصول غائرة في التاريخ، مارسها الإنسان البدائي في الحزن على موتاه، ومارسها أصحاب الديانات الوثنية في حالة موت أبطالهم وآلهتهم.
وكان أهل الرافدين القدماء يقيمون المآتم والمناحات عند موت إلههم (دموزي) السومري أو (تموز البابلي) الذي يعتقدون أنه يموت في الشتاء ويبعث في الربيع، فكانت تقام لموته الاحتفاليات في عامة مدن وادي الرافدين (ميزوبوتاميا). وكانت هذه الاحتفاليات تتمثَّل بالعويل والصراخ والبكاء والنَّحيب، يتخلَّلُها لطمُ الصدور وشَقّ الجيوب وجَزّ الشّعر وتجريح الأجساد. وكان القصد من ذلك التعذيب مشاركة الإله في عذاباته وتمثيلها على أنفسهم.
وتحدّثنا ملحمة گلگامش العراقية وهي أقدم الملاحم في التاريخ كيفية حزن گلگامش ملك أوروك على صديقه الوفيّ أنكيدو عندما مات وكان يحسبه غرقاً في سِنةٍ من النوم العميق:
((فحدَّثَه ولكن (أنكيدو) لم يَسمعهُ ولم يرفَع عينيه.
فجَسَّ قلبَهُ ولكنه لم ينبِض.
وعند ذاك غَطّى صديقه كالعروس.
وأخذ يزأر كالأسد حوله
وكاللبوة التي اختطف منها أشبالها.
فصار يروح ويجيئ أمام الفراش وهو ينظر إليه.
وينتف شعره المضفور ويرميه على الأرض.
نزع ثيابه الجميلة ورماها كأنها أشياء نجسة))
وورد في نصٍّ آخر من نصوص الملحمة, أن گلگامش بكى صديقه سبعة أيامٍ وسبع ليالٍ, ثم هام على وجهه في الصحراء.
وعلى أساس هذا الأرتباط الواضح للشعائر الحسينية بوسائل الوثنيين والجاهليين المشنوءة في التفجع على موتاهم, سواءً أكان الموتى آلهةً أو ملوكاً معبودين أو أبطالاً قوميين أو بشراً عاديين, بادرنا بأليف هذا الكتاب, دعماً لنداءات علماء الطائفة بوجوب التصحيح, وتنزيه المذهب منها لأنها أمست عند الجاهلين جزأً لا يتجزأ من صلب الدين.
ولقد كنت –في الحقيقة- واجف القلب, قلقاً من احتمال رفضه من قبل الناشرين. وقد حدث هذا فعلاً عندما عرضته على بعض مؤسسات النشر في كربلاء فاعتذروا لكونه يمس بعض المرجعيات الشيعية التي تقوم بتنظيم مواكب التطبير وتتبنى رعايتهم والدفاع عنهم. فقرّرت أن أُجرّبَ بعض دور النشر في بغداد وكان الحال واحد .
وبينما أنا في حيرتي أصفق كفاً على كفّ أَسَفاً على فقدان الشجاعة في عصر يتطلّبها لإنقاذ البلاد من الانفلات الفكري وفساد العُقول, تذكرت الصديق الأستاذ (ماجد شبّر) مدير (شركة دار الورّاق) المعروف بشجاعته في مثل هذه الأمور فوافق على نشر الكتاب مشكوراً. وكان قد نشر لي كتاباً رفضت بعض دور النشر طبعه ونشره وهو مهزلة العقل الديني .