الوصف
عصر الظلمات – التعليم في العراق بغد عام 2003 – كتبت هذا الكتاب لأبيِّن تجربتي كإحدى الكفاءات التي عادت إلى العراق، حاملة معي العلم والخبرة والحماس والطاقة لخدمة الوطن، لكي ننهض بالعراق ولكي يتعافى مجتمعنا من ظلمات الحروب والحصار والدكتاتورية والظلم والقمع الفكري، ويبدأ عصر ازدهار ومعرفة ويعيش أبناؤنا وأهلنا بالخير الذي أنعم الله به عليهم.
هكذا تأملت. وكنت متأكدة أنَّ العراق سينهض ويتعافى إذا اعتمدنا على النزيهين والصادقين والمخلصين من ذوي العلم والخبرة. وأن يفُسح المجال لهم لينجزوا عملهم وهم بعلمِهم وبخبرِتهم وبصبرِهم وبتحملِهم للمصاعبِ، سيديرون أمور البلد ويأخذون به نحو التعافي والتطور. فماذا حصل إذن؟ وما الذي رأيته في هذه الرحلة ذات السنوات الست؟
لم أرَ بحراً هائلاً هائجاً مهولاً من الجهلِ، كما رأيته خلال السنوات الماضية في العراق. أمواج الجهل تلاطمتني من كلِّ صوب. الجهل، ومعه المصالح الشخصية والعائلية لمتخذي القرار والمسؤولين، وكذلك مصالح الأحزاب والكتل السياسية والجهات الأجنبية – أي ما يعرف بالفساد المالي والإداري. الجهل والفساد هما سيّدا الموقف في أغلب الأمور، أحياناً كل لوحده وأحياناً الاثنان معاً. فخلال صفحات هذا الكتاب سأتحدث كثيراً عن الاثنين معاً أي الجهل والفساد لأنهما مرتبطان حيث إن الجهل هو الذي يفتح الباب للفساد والفساد بدوره ينمي الجهل . والعلم والمعرفة والخبرة يمكنها الوقوف بوجه الفساد وفضحه والتصدي له.
أغلب من استلم مناصب عليا ووسطى في العراق من بعد 2003 هم غير مؤهلين لذلك، وجيء بهم فقط لأنهم يطيعون حزباً ما أو جهة أجنبية ما، وهذه هي أكبر مصيبة حلت على العراق. وإذا صادفنا الحظ وجاء من لديه علم وخبرة، وقد يكون مستقلاً عن الأحزاب والجهات الأجنبية، فسنصطدم بمشكلة أخرى، فهذا الآخر يدير الأمور بمزاجه الشخصي وحبه للظهور ونرجسيته أو بأساليب العمل البالية وغير المؤثرة، أي ما يعرف بسوء الإدارة. الأمور في العراق اليوم تفشل وتنهار بسبب الجهل والفساد وسوء الإدارة، أي إنَّ الأمور في العراق تدار بخلطة سامة قاتلة من المزاجية ورغبات المسؤولين معها مصالح الكتل والأحزاب السياسية والجهات الأجنبية مع الجهل وانعدام الخبرة. هذه العوامل مزدوجة أو بمفردها، دمرت العراق. نعم، نحن تخلصنا من ظلمات الحصار والدكتاتورية والحروب السابقة، ولكننا اليوم نغرق في بحر الظلمات.
وكتبت هذا الكتاب أيضاً لأدق ناقوس الخطر والإنذار العاجل عن وضع التعليم في العراق، تأدية لمسؤوليتي الوطنية والأخلاقية والمهنية، لكي يشد العزم من بقي من الحكماء والعقلاء وينقذوا التعليم قبل أن ينقرض العقل في بلدنا. العقل في خطر. فقد أصبح التعليم اليوم مدمَّراً ومدمِّراً، وليس تربوياً ولا تعليمياً، كما سنبين في صفحات الكتاب. إننا اليوم نعيش في عصر الظلمات، الظلمات في القرن الواحد والعشرين. فاليوم يُصدم المرء ويُصعق بما يراه من جهل وأخطاء تصل إلى حد الخطايا، تسود أعلى المستويات في الدولة وأعلى الدوائر الحكومية، ولا أحد يأبه. تدهورَ التعليم ولم تعد المنظومة التعليمية قادرة على أن تُنشئ جيلاً صالحاً واعياً ملتزماً بالعلمِ، ومدركاً للمخاطرِ التي تحيط به وتحيط بالوطنِ، وعارفاً لأساليب الحذر منها ووقاية نفسه ووطنه. هناك أسباب كثيرة لهذا الوضع الذي وصلنا إليه ولا نضع كل اللوم على التعليم، ولكن كان على المنظومة التعليمية أن تصون نفسها والمجتمع مما حصل. ولا أدري من أين أبدأ؟ هل من تردي مستوى اللغة العربية في العراق، أم من سوء استخدام التكنولوجيا، أم من مستوى البحث العلمي أم العشرات من القضايا الأخرى؟